كل ما يجب معرفته عن جدري الماء

جدري الماء: نظرة شاملة على المرض، أسبابه، أعراضه، ومضاعفاته

جدري الماء، المعروف علمياً باسم “الحماق” (Varicella)، هو مرض فيروسي حاد ومُعدٍ يصيب الإنسان، ويُعد من أكثر الأمراض شيوعاً في مرحلة الطفولة، على الرغم من أن البالغين قد يُصابون به أيضاً في بعض الحالات. يتسبب فيه فيروس يُدعى فيروس الحماق النطاقي (Varicella-Zoster Virus – VZV)، وهو نفس الفيروس الذي يمكن أن يسبب لاحقاً في حياة الإنسان مرض الهربس النطاقي (Shingles).

رغم أن المرض غالباً ما يكون خفيفاً لدى الأطفال، إلا أنه قد يُسبب مضاعفات خطيرة عند الرضع، والبالغين، والنساء الحوامل، والأشخاص الذين يعانون من ضعف الجهاز المناعي. يعتبر جدري الماء من الأمراض التي يمكن الوقاية منها بسهولة من خلال التطعيم، وهو ما أدى إلى انخفاض ملحوظ في انتشاره في البلدان التي تتبع برامج تطعيم فعّالة.

أولاً: السبب المرضي وآلية العدوى

ينتج جدري الماء عن العدوى بفيروس الحماق النطاقي، والذي ينتمي إلى عائلة الفيروسات الهربسية (Herpesviridae). يتميز هذا الفيروس بقدرته على التواري داخل الجهاز العصبي بعد الإصابة الأولية، ليبقى كامناً ويعيد تنشيط نفسه لاحقاً في صورة مرض الهربس النطاقي.

ينتقل الفيروس من شخص إلى آخر عبر الرذاذ المتناثر من الفم أو الأنف أثناء السعال أو العطس، أو عبر الاتصال المباشر بسوائل البثور الجلدية. يعد الشخص المصاب معديًا قبل ظهور الطفح الجلدي بيوم إلى يومين، ويبقى معدياً حتى جفاف كل البثور وتكوُّن القشور عليها، وهي فترة قد تستغرق من 7 إلى 10 أيام تقريباً.

ثانياً: الأعراض السريرية لجدري الماء

تظهر أعراض جدري الماء عادة خلال فترة حضانة تتراوح بين 10 إلى 21 يوماً بعد التعرض للفيروس. وتتضمن الأعراض المراحل التالية:

• المرحلة التمهيدية (Prodromal stage):

  • حمى خفيفة إلى متوسطة

  • شعور بالتعب العام والإرهاق

  • فقدان الشهية

  • صداع خفيف

  • آلام عضلية

  • التهاب بسيط في الحلق

• مرحلة الطفح الجلدي:

  • ظهور طفح جلدي أحمر اللون، يبدأ غالباً في منطقة الجذع (البطن والظهر)، ثم ينتشر إلى الوجه، والأطراف، وفروة الرأس.

  • الطفح يتطور إلى بثور مليئة بسائل شفاف سرعان ما يتحول إلى سائل عكر، ثم تنفجر وتُشكّل قشورًا.

  • البثور تظهر في موجات متعددة، مما يؤدي إلى تواجد بثور في مراحل مختلفة من التطور في وقت واحد على الجلد.

  • يرافق الطفح حكة شديدة تسبب انزعاجاً شديداً لدى المصابين، وقد تؤدي إلى تندب دائم في حال الحكة الشديدة أو الالتهاب الثانوي.

ثالثاً: المضاعفات المحتملة لجدري الماء

رغم أن المرض يُعد خفيفاً في معظم الأحيان، إلا أنه قد يتسبب في مضاعفات شديدة وخطيرة في بعض الحالات، منها:

رابعاً: التشخيص

يعتمد تشخيص جدري الماء على الفحص السريري لتحديد طبيعة الطفح وتاريخه المرضي. تشمل الفحوصات المساعدة ما يلي:

• تحليل PCR (تفاعل البوليميراز المتسلسل): للكشف عن الحمض النووي للفيروس بدقة عالية.

• اختبارات الأجسام المضادة (IgM و IgG): لتحديد الإصابة النشطة أو المناعة السابقة.

• زرع الخلايا الفيروسية (نادر الاستخدام): يُستخدم في حالات البحث العلمي أو التشخيص الدقيق.

خامساً: العلاج

جدري الماء لا يتطلب عادة علاجاً خاصاً، إذ يتعافى معظم المصابين خلال فترة تتراوح بين أسبوع وأسبوعين. ومع ذلك، تُستخدم عدة وسائل لتخفيف الأعراض:

• مضادات الهيستامين: لتخفيف الحكة، مثل ديفينهيدرامين (Diphenhydramine).

• مرطبات موضعية وكريمات مهدئة: مثل الكالامين لتهدئة الجلد.

• الحمامات الدافئة الممزوجة بدقيق الشوفان أو بيكربونات الصوديوم.

• خافضات الحرارة: مثل الباراسيتامول (يُمنع استخدام الأسبرين عند الأطفال).

• مضادات الفيروسات: مثل الأسيكلوفير (Acyclovir)، تُوصف للحالات الشديدة أو للمرضى ذوي المناعة الضعيفة أو النساء الحوامل.

سادساً: الوقاية

تعد الوقاية عبر التطعيم من أنجع الوسائل لتقليل الإصابات ومضاعفات المرض:

1. اللقاح (التطعيم ضد الحماق):

• يُعطى على جرعتين، الأولى في عمر 12 إلى 15 شهراً، والثانية بين 4 إلى 6 سنوات.

• يُنصح البالغون الذين لم يُصابوا بالمرض سابقاً ولم يتلقوا التطعيم أن يحصلوا على الجرعتين أيضاً.

• يحقق اللقاح فعالية تصل إلى 90% في الوقاية من المرض و99% في الوقاية من الحالات الشديدة.

2. العزل الصحي للمصابين:

• يُنصح بعزل الطفل أو البالغ المصاب حتى جفاف كل البثور تماماً.

• تجنُّب الاحتكاك مع النساء الحوامل أو الأشخاص ذوي المناعة المنخفضة.

3. تعقيم الأدوات والأماكن:

• الحفاظ على نظافة الأغطية والملابس والمناشف.

• غسل اليدين بانتظام وتعقيم الأسطح الملوثة.

سابعاً: جدري الماء لدى الفئات الحساسة

الأطفال:

• يُصيبهم عادةً بشكل خفيف.

• اللقاح يُوفر حماية فعالة ويمنع المضاعفات.

البالغون:

• تكون الإصابة لديهم أشد، وقد تؤدي إلى التهاب رئوي أو مضاعفات عصبية.

• يُنصح بالتطعيم إن لم يصابوا بالمرض سابقاً.

النساء الحوامل:

• إصابة الحامل بالفيروس قد تؤدي إلى مضاعفات للجنين مثل تشوهات أو الإجهاض.

• يُمنع تطعيم الحامل أثناء الحمل، لكن يُفضل أخذ التطعيم قبل الحمل بثلاثة أشهر على الأقل.

مرضى نقص المناعة:

• يتطلبون علاجًا مضادًا للفيروسات بشكل مبكر.

• قد يُنقل إليهم اللقاح بفيروس حي مضعف عبر المخالطة مما يشكل خطراً حقيقياً.

ثامناً: الفرق بين جدري الماء والهربس النطاقي

بعد الشفاء من جدري الماء، يبقى فيروس الحماق النطاقي كامنًا في العقد العصبية، وقد يعاود الظهور بعد سنوات في شكل مرض يُعرف بـ”الهربس النطاقي” أو “Shingles”.

• يظهر الهربس النطاقي في صورة طفح جلدي مؤلم أحادي الجانب.

• احتمال الإصابة به يزداد مع تقدم العمر أو ضعف المناعة.

• يوجد تطعيم منفصل للهربس النطاقي (لقاح شينغريكس Shingrix) يُعطى للأشخاص فوق سن الخمسين.

تاسعاً: الإحصائيات العالمية والمحلية

قبل إدخال التطعيم، كان جدري الماء يُصيب نحو 90% من الأطفال قبل سن العاشرة. في الولايات المتحدة، قُدرت الإصابات قبل 1995 (عام اعتماد اللقاح) بنحو 4 ملايين حالة سنوياً، منها حوالي 11,000 حالة تستدعي دخول المستشفى، و100 إلى 150 حالة وفاة.

مع تطبيق برامج التطعيم، انخفضت الحالات بنسبة تزيد عن 85%، وانخفضت نسبة المضاعفات والوفيات بشكل كبير.

عاشراً: أهمية التوعية المجتمعية والوقاية الجماعية

من الضروري تعزيز التثقيف الصحي حول أهمية تلقي اللقاح، خاصة في المجتمعات التي لا تزال فيها المفاهيم المغلوطة حول اللقاحات سائدة. كما ينبغي إشراك المدارس ومراكز الرعاية الصحية في التوعية بوسائل الوقاية من العدوى وعزل الحالات المشتبه بها بسرعة.

المصادر:

1. CDC – Centers for Disease Control and Prevention. “Chickenpox (Varicella).” https://www.cdc.gov/chickenpox

2. WHO – World Health Organization. “Varicella and Herpes Zoster Vaccines.” https://www.who.int